خمسة محاور اقتصادية رئيسية ستؤثر في دول مجلس التعاون خلال عام 2024

Five GCC economic themes to watch in 2024
  • Blog
  • 5 minute read
  • January 08, 2024

شهد الاقتصاد العالمي في عام 2023 معدّل نمو أبطأ، تخلله ارتفاع معدّلات الفائدة، والتضخم، والتوترات الجيوسياسية. إلا أن النمو في دول مجلس التعاون الخليجي بقي قادرًا على الصمود إلى حد كبير. فالانكماش في أنشطة القطاع النفطي البالغة نسبته 2.8% في عام 2023، والناجم عن عمليات التخفيض المتتالية لإنتاج النفط من قبل مجموعة أوبك+، قابله نمو في القطاعات غير النفطية، والتي بلغت نسبته بحسب التقديرات 4.3% في عام 2023، بفضل الاستثمارات الحكومية المرتبطة بأجندة التنويع الاقتصادي المختلفة التي يجري تنفيذها في دول مجلس التعاون الخليجي.1 ونتيجة لذلك، من المتوقّع أن يصل إجمالي نمو الناتج المحلي في دول مجلس التعاون الخليجي إلى 1.5% في عام 2023، بعد نمو سنوي بلغت نسبته 7.9% في عام 2022.

وإذا نظرنا إلى المستقبل، نلاحظ وجود أسباب تدعو إلى التفاؤل بشأن الأداء الاقتصادي المحتمل لدول المنطقة، نظرًا إلى التزامها بالتنويع الاقتصادي وقدرتها على التكيّف مع ظروف السوق المتغيرة. وفي الأقسام التالية، نستكشف المحاور الاقتصادية الخمسة الرئيسية التي نعتقد أنها ستشكّل اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي في العام المقبل.

 

1. تباطؤ النمو العالمي من جهة وقدرة اقتصاد دول مجلس التعاون على الصمود من جهة أخرى

في وقت كتابة هذا التقرير، توقّع خبراء الاقتصاد نموًا عالميًا متوسطًا يبلغ حوالي 3% في عام 2023، وهي نسبة أقل من تلك التي تم تسجيلها في عام 2022 والبالغة 3.5%. وفي الوقت نفسه، من المتوقّع أن يتراجع التضخم العالمي (بشكل نسبي) إلى 6.9%، بعد أن بلغ 8.7% في عام 2022، مع وصول معدّلات الفائدة إلى أعلى مستوياتها في العالم منذ 17 عامًا. وقد ينسب ذلك إلى انخفاض أسعار الطاقة، وتباطؤ الاستهلاك والاستثمار في ظل ارتفاع معدّلات الفائدة، فضلًا عن التأثيرات الأساسية الناجمة عن المقارنات التي تجري سنوياََ.

ومن المتوقّع أن تؤدي السياسات النقدية الأكثر تشددًا والرامية إلى الحد من التضخم إلى التخفيف من الاستهلاك والأنشطة الاستثمارية في عام 2024. كذلك، من المتوقّع أن يشهد الاقتصاد العالمي تباطؤًا طفيفًا في عام 2024، فمعدّل نمو الناتج المحلي الإجمالي سيصل إلى 2.9% - وهي نسبة النمو العالمي الأدنى منذ عام 2001 (باستثناء فترة الأزمة المالية العالمية وذروة جائحة كوفيد-19).

في المقابل، من المتوقّع أن تتخطى دول مجلس التعاون الخليجي مشكلة تباطؤ الاقتصاد العالمي بشكل فعال، نظرًا إلى تخفيض مجموعة أوبك+ لحصص إنتاج النفط، والنمو القوي نسبيًا في الأسواق الآسيوية الرئيسية بما فيها الهند (نمو الناتج المحلي الإجمالي الفعلي بنسبة 6.3%)، والصين (4.2%)، والاستثمارات الحكومية المستمرة في الاقتصاد بما يتماشى مع أهداف التنويع الاقتصادي. ونتيجة لذلك، من المتوقّع أن يرتفع نمو الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024 ليصل إلى 3.7%.2

وفي حين أن المنطقة قد لا تكون بمعزل تام عن التباطؤ الاقتصادي العالمي، ثمة عدة أسباب تدعو إلى التفاؤل الحذِر:

  • ولًا، ومع أنه من غير المرجّح أن تصل أسعار النفط الخام برنت إلى أعلى المستويات التي حققتها في أواخر عام 2021 وأوائل عام 2022، ولكن من المتوقّع أن تظل أسعار النفط أعلى من 80 دولارًا أمريكيًا للبرميل في عام 2024. وفي حين أن التوقّعات الاقتصادية العالمية التي تتسم بالركود قد تؤثر في نمو الطلب على النفط، فإن النمو في الأسواق الآسيوية يعني أن الاستهلاك العالمي للنفط من المتوقّع أن يرتفع بمقدار 1.1 مليون برميل يوميًا في عام 2024 مقارنة بعام 32023. كذلك، من المقرر أن تلغي المملكة العربية السعودية - التي تشكّل أكبر اقتصاد وأكبر دولة منتجة للنفط في دول مجلس التعاون الخليجي - التخفيضات الأحادية في إنتاج النفط تدريجيًا، بعد أن تم فرضها في منتصف عام 2023. ولا شك في أن هذه العوامل ستدعم تعافي قطاع النفط في عام 2024 والأوضاع المالية السليمة، إذ من المتوقّع أن يسّجل التوازن المالي الإقليمي فائضًا بنسبة 3.3% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 42024.
الأسعار التاريخية والمتوقّعة للنفط الخام برنت (دولار أمريكي/البرميل)5

المصدر: الوكالة الدولية للطاقة

أسعار النفط التعادلية المالية لدول مجلس التعاون الخليجي (دولار أمريكي/البرميل)6

المصدر: صندوق النقد الدولي

  • ثانيًا، ستبقى القطاعات غير النفطية محرّكًا رئيسيًا للنمو الاقتصادي في المنطقة. ومن المتوقّع أن تشهد هذه القطاعات نموًا بنسبة 4% في عام 2024، نتيجةً للتطور الإيجابي في قطاعي التجزئة والخدمات، المدعوم بالسيولة القوية، ومبادرات الإصلاح المستمرة، والزيادة السريعة في الاستثمارات الخاصة والحكومية. وسوف تساعد هذه العوامل في التخفيف من تأثيرات تباطؤ النمو لدى الشركاء التجاريين الرئيسيين.

  • ثالثًا، وبحسب بيانات مؤشر مديري المشتريات في دول مجلس التعاون الخليجي - وهو مؤشر يدلّ على مستوى الثقة لدى الشركات وأداء القطاعات الخاصة غير النفطية - تُعتبر الاقتصادات الإقليمية بحالة جيدة إلى حد ما وتحافظ على زخمها الإيجابي.

  • رابعًا، حافظ مؤشر مديري المشتريات في كل من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية على المنحى التوسّعي بشكل مستمر منذ أعقاب جائحة كوفيد-19، وهو يواصل تحقيق نتائج أفضل من المتوسط العالمي.

مؤشر مديري المشتريات7

المصدر: مؤشر مديري المشتريات الصادر عن شركة إس اند بي جلوبال.
إن تسجيل نتيجة أكبر من 50 يشير إلى توسّع القطاعات الخاصة غير النفطية مقارنة بالشهر السابق؛ وتسجيل نتيجة أقل من 50 يشير إلى الانكماش؛ وتسجيل نتيجة تبلغ 50 يشير إلى عدم وجود تغييرات.

2. مع تراجع معدّلات التضخم، من المتوقّع تخفيف القيود النقدية بحلول نهاية هذا العام

تشهد معدّلات التضخم تراجعًا في معظم الدول، نتيجة لاعتماد سياسات نقدية أكثر تشددًا. ويتوقّع صندوق النقد الدولي تراجعًا ملحوظًا في التضخم العالمي ليصل إلى 5.8% في عام 2024 بعد أن سجّل 6.9% في عام 82023. وفي دول مجلس التعاون الخليجي، عاد التضخم إلى المستويات التي كان قد سجّلها قبل الجائحة بعد الارتفاعات في معدّلات الفائدة، ومن المتوقّع أن يسجّل متوسطًا نسبته 2.3% في عام 2024، بعد أن بلغ 2.6% في عام 2023.

ومع تراجع معدّلات التضخم، تقترب دورة ارتفاع معدّلات الفائدة من النهاية. ففي شهر ديسمبر الفائت، أعلن الاحتياطي الفدرالي الأمريكي اعتزامه الإبقاء على معدّل الفائدة الفدرالي ضمن النطاق الحالي المستهدف الذي يتراوح بين 5.25% و5.5%. وتتوقّع الأسواق أيضًا تخفيضات في معدّلات الفائدة الرئيسية في النصف الأخير من عام 2024، نتيجة لتراجع الضغوط الناجمة عن التضخم.9

معدّلات الفائدة الرئيسية العالمية: التوجهات التاريخية والتوقّعات المستقبلية

المصدر: بنك التسويات الدولية.

تتمتع دول مجلس التعاون الخليجي، التي تعتمد في الغالب على نظام ربط العملات بعملات أخرى، بمكانة تخوّلها تطبيق هذه التخفيضات، مما سيساعد في تقليص تكاليف التمويل، وتحسين أوضاع السيولة، ودعم الاستهلاك والاستثمار على المستوى الإقليمي.

ومع ذلك، من المرجّح أن تزداد مخاطر التضخم، نتيجة للصدمات الخارجية التي تطال أسعار السلع الأساسية والسلع الأخرى. على سبيل المثال، تؤدي المخاطر الجيوسياسية السائدة في منطقة الشرق الأوسط إلى تعطيل التدفقات التجارية عبر البحر الأحمر وخليج عدن، ما قد يتسبب بدوره في ارتفاع تكاليف الشحن. وتشير تحليلات صندوق النقد الدولي إلى أن مضاعفة تكاليف الشحن قد تؤدي إلى ارتفاع معدّل التضخم بمقدار 0.7 نقطة مئوية.10

3. بروز المملكة العربية السعودية كوجهة سياحية

تشهد المملكة العربية السعودية نموًا كبيرًا كوجهة سياحية في السنوات الأخيرة، نتيجة للإصلاحات والمبادرات الطموحة التي يجري تنفيذها في إطار برنامج رؤية 2030، الهادفة إلى تحويل المملكة إلى واحدة من الدول التي تستقطب أكبر عدد من الزوّار.

ولا بدّ من الإشارة إلى أن الاستثمارات المتواصلة في البنية التحتية المتعلقة بالسياحة، بما فيها المطارات، والفنادق، والنقل، حسّنت أيضًا التجربة السياحية الشاملة وإمكانية الوصول إلى المملكة. وفي هذا الإطار، وعدت وزارة السياحة بتقديم حزمة استثمارية بقيمة تريليون دولار أمريكي لمدة 10 سنوات، بما أن الدولة تسعى إلى زيادة القدرة الاستيعابية للفنادق بمقدار 310,000 غرفة بحلول عام 112030. إلى جانب ذلك، بسّطت المملكة عملية الحصول على التأشيرات السياحية، ما سهّل إمكانية دخول الزوّار المحتملين واستكشافهم البلاد، وخصصت مبالغ كبيرة للاستثمار في ترميم المواقع التراثية والثقافية الغنية والترويج لها بصفتها معالم جذب سياحي. ومن بين هذه المواقع مدينة العلا القديمة، وآثار مدائن صالح النبطية، ومدينة جدة التاريخية. كذلك، تبنّت الحكومة استراتيجية لاستقطاب الاستثمار وتعزيز إنفاق السياح من خلال الفعاليات البارزة والسياحة الرياضية.

ومن المرتقب إقامة عدد من الفعاليات المهمة في عام 2024، بما فيها سباق جائزة السعودية الكبرى للفورمولا 1 في جدة، إلى جانب عدد من المؤتمرات والقمم. وفي ديسمبر العام الماضي، تم اختيار المملكة لاستضافة معرض إكسبو 2030 المقرر إقامته في الرياض. وبما أن المملكة هي الدولة الوحيدة التي تقدّمت بعرض لاستضافة كأس العالم 2034، من المرجّح أن يؤكد الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا" استضافتها لهذا الحدث.

وتجدر الإشارة إلى أن هذه الجهود بدأت بالتأثير إيجابًا على قطاع السياحة في الدولة. فبحسب منظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة، برزت المملكة بصفتها الوجهة السياحية الثانية الأسرع نموًا في العالم، وذلك بناءً على عدد السياح الدوليين الوافدين إليها خلال الربع الأول من عام 2023. وفي عام 2023، تتوقّع المملكة استقطاب حوالى 70 مليون زائر محلي و30 مليون زائر دولي.12

بالإضافة إلى ذلك، من المتوقّع أن تتضاعف مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد لتصل إلى 6% في عام 2023، بعد أن بلغت 3% في عام 2019، وهو في طريقه لتحقيق المستهدف المحدد لعام 2030 والبالغ 10%. وتماشيًا مع التوقّعات الأخرى، من المرتقب أن يشهد قطاع السياحة نموًا بنسبة 11% سنويًا خلال العقد التالي.13

الوافدون من السياح الدوليين (بالآلاف)

المصدر: منظمة السياحة العالمية

4. الصعود الثوري للذكاء الاصطناعي التوليدي يستمر بوتيرة سريعة

من المتوقّع أن تساهم التطوّرات الأخيرة في مجال الذكاء الاصطناعي، لا سيما تطوير الذكاء الاصطناعي التوليدي، في توفير العديد من الفرص للشركات والمجتمع على حد سواء.

وبما أن دول مجلس التعاون الخليجي تدرك الأهمية المحتملة لهذه التحوّلات المرتقبة، تكثّف استثماراتها في مبادرات البحث والتطوير التي تركّز على تطوير الذكاء الاصطناعي. وتُعتبر المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وقطر في طليعة الدول التي تدفع إلى تبنّي التقنيات الجديدة المتوافقة مع أهداف أجندة التحوّل الخاصة بكل منها. وفي هذا الإطار، أبرمت مجموعة "جي 42"، وهي مجموعة تقنية قابضة مقرّها الإمارات العربية المتحدة، شراكة مع شركة "أوبن إيه آي" في أواخر عام 2023 لتقديم حلول الذكاء الاصطناعي على مستوى الإمارات والسوق الإقليمي من خلال الاستفادة من نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي الخاصة بشركة "أوبن إيه آي". وبالتوازي مع ذلك، تولّت مجموعة "جي 42" عملية تطوير نموذج جيس، وهو نموذج ثنائي اللغة يضم 13 مليار متغير وأول نموذج كبير وعالي الجودة للغة العربية في العالم. كذلك، يخصص معهد الابتكار التكنولوجي مبالغ كبيرة للاستثمار في نموذجه اللغوي الكبير "فالكون 180 بي".14 هذا وأطلقت المملكة مسرّعة الذكاء الاصطناعي التوليدي (غاية) بتمويل قيمته 160 مليون دولار للاستثمار في الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي التي ما زالت في المراحل الأولى، في حين أن شركة "استثمر قطر" أبرمت شراكة مع "مايكروسوفت أزور" لتطوير روبوت المحادثة "Ai.SHA"، وهو مساعد يعتمد على الذكاء الاصطناعي لمساعدة الشركات والمستثمرين على فهم المشهد الاستثماري في قطر بشكل أفضل وبالتالي اتخاذ قرارات استثمارية مدروسة.

وفي العام المقبل، يمكننا أن نتوقّع تسارع وتيرة تبنّي الذكاء الاصطناعي التوليدي في المنطقة، لا سيما في قطاعات الرعاية الصحية، والمالية، والإعلام، والتقنية التي تتميز بكم هائل من البحث والتطوير وتتطلب تفاعلات متكررة مع العملاء. ومن المتوقّع أن تنعكس تأثيرات الذكاء الاصطناعي التوليدي من خلال التحوّل الذي يطرأ على القوى العاملة وكذلك أتمتة الذكاء الاصطناعي. فتزويد الموظفين بالأدوات اللازمة وتدريبهم على تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي سيزيد من معارفهم وقدراتهم إلى حد كبير، لا سيما في المجالات التي تتطلب إبداعًا وتحليلًا للبيانات. فاستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي في سياق البحث والتطوير على سبيل المثال سيمكّن الباحثين من تحليل مجموعات البيانات الكبيرة بكفاءة أكبر وبطريقة بديهية.

كذلك، سيساهم تفعيل أتمتة الذكاء الاصطناعي في تبسيط الإجراءات المؤسسية، وتحسين إجراءات العمل المهمة، وتقديم تجارب مميزة للعملاء. وبإمكان الذكاء الاصطناعي التوليدي أن يُحدث ثورة في مجال تقديم الخدمات للعملاء، فهو قادر على توفير المساعدة المؤتمتة والشخصية.

وكما هو الحال مع الذكاء الاصطناعي، يترافق تبنّي الذكاء الاصطناعي التوليدي على نطاق واسع مع مخاطر عدة، تشمل مشكلات المُلكية الفكرية والمشكلات القانونية المتعلقة بمُلكية المحتوى الذي يتم إعداده، فضلًا عن التعقيد وانعدام الشفافية على مستوى نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي، ما يجعل فهم عملية اتخاذها للقرارات أمرًا صعبًا. إلى جانب ذلك، يؤدي استخدام بيانات العملاء إلى بروز مخاطر أخلاقية وتنظيمية محتملة، فضلًا عن الحاجة إلى مراقبة خطر التحيّز في النماذج ومعالجته. لذلك، يمكننا توقّع المزيد من التطورّات التنظيمية هذا العام بهدف إدارة هذه المخاطر على مستوى المنطقة.15

5. بروز دول مجلس التعاون الخليجي بدور فعّال ورئيسي في رحلة التحوّل العالمي في مجال الطاقة

تمتلك المنطقة الفرصة لتسريع وتيرة الاستثمارات في مصادر الطاقة الأكثر مراعاة للبيئة. فنسبة مصادر الطاقة المتجددة من إجمالي قدرة توليد الطاقة ما زالت ضئيلة للغاية في دول مجلس التعاون الخليجي، إذ تشكّل 3% فقط من إجمالي إنتاج الطاقة.16 وفي هذا السياق، تتصدر الإمارات العربية المتحدة قائمة هذه الدول، إذ يتم توليد حوالي 14% من طاقة البلاد باستخدام مصادر الطاقة المتجددة، وهو رقم يمثّل حوالي 60% من إجمالي قدرة مصادر الطاقة المتجددة في المنطقة.17 وفي الوقت الراهن، تنتج المملكة العربية السعودية أقل من 1% من إجمالي طاقتها من مصادر الطاقة المتجددة، ويتعيّن بذل المزيد من الجهود لتحقيق أهداف المملكة المتعلقة بإزالة الكربون.18

بالنسبة إلى المملكة العربية السعودية وباقي دول مجلس التعاون الخليجي، ينبغي التركيز على تخصيص نسبة كبيرة من هذه الاستثمارات للطاقة المتجددة بالدرجة الأولى، ليس فقط لأن هذه المصادر تحتاج إلى وقت لإنتاج الطاقة، بل أيضًا لأنه من الضروري دعم إزالة الكربون من القطاعات التحويلية مثل النقل والتصنيع، عن طريق الاستعانة أكثر فأكثر بالطاقة الكهربائية.

وفي حين أن التقدم المحرز حتى الآن بطيء، نتوقّع أن تنمو القدرة على إنتاج المزيد من مصادر الطاقة المتجددة في عام 2024، بما يتماشى مع الطموحات الوطنية. كذلك، من المتوقّع هذا العام أن تعمل محطة تحويل النفايات إلى طاقة في دبي بكامل طاقتها، وتولّد ما يصل إلى 220 ميجاوات من الكهرباء، ما يتيح إمكانية تزويد 135,000 منزل في المنطقة بالطاقة. من جهة أخرى، من المتوقّع أن يتم تشغيل مشروع ليلى للطاقة الشمسية الكهروضوئية التابع لشركة أكوا باور في الرياض في عام 2024.

حصة الطاقة المتجددة من الطاقة الكهربائية وتوليدها

"تأثير مؤتمر الأطراف"

إن قيادة الإمارات العربية المتحدة لمؤتمر الأطراف (COP28) والمفاوضات الناجحة بشأن اتفاق الإمارات تؤكد على الدور الذي أصبحت تضطلع به دول مجلس التعاون الخليجي بصفتها جهات فاعلة ومهمة على المستوى العالمي في مجال تحوّل الطاقة والسعي لتحقيق أهداف صفر انبعاثات كربون. وتشمل البنود المهمة لاتفاق الإمارات التزام الموقّعين بعدم استخدام الوقود الأحفوري، فضلًا عن تحديد هدف جديد وخاص: زيادة القدرة الإنتاجية للطاقة المتجددة ثلاث مرات ومضاعفة معدّل كفاءة الطاقة بحلول عام 2030، والترويج لإنشاء هيكل جديد للتمويل المناخي.19

تتميز المنطقة بمكانة ملائمة تتيح لها تسهيل عملية التحوّل العالمي إلى الطاقة المتجددة، وذلك بفضل ميزتين رئيسيتين:

  • إمكانية الوصول إلى رأس المال: في عام 2022، ساهمت صناديق الثروة السيادية في دول مجلس التعاون الخليجي بنسبة 29% من الاستثمارات السيادية في مصادر الطاقة المتجددة، وكانت شركة مبادلة ثاني أكبر مستثمر منفرد.20 ومن المتوقّع أن يستمر هذا التوجه، لا سيما أن صناديق الثروة السيادية تواصل تمويل الاستثمارات في الأصول المتجددة في أوروبا وأمريكا الشمالية. بالإضافة إلى ذلك، ينعكس استقرار الاقتصاد الكلي وتوقّعات النمو القوية في المنطقة إيجابًا على صناديق الثروة السيادية التي يمكنها مواصلة الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة في ظل حالة عدم اليقين الاقتصادية العالمية.

  • إمكانية الوصول إلى مصادر طاقة متجددة منخفضة التكلفة: تُعتبر المنطقة إحدى المناطق التي تمتلك أكبر الإمكانيات في مجال الطاقة الشمسية في العالم، فهي تتميز بمعدّلات إشعاع شمسي مرتفعة، فضلًا عن توفر مساحات كبيرة من الأراضي المتاحة والمناسبة. وقد شهد عام 2023 افتتاح محطة الظفرة للطاقة الشمسية، وهي أكبر محطة لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية في العالم ضمن موقع واحد. وفي حين أن الطاقة الشمسية هي مصدر الطاقة المتجددة المهيمن، تمتلك أجزاء من المنطقة مثل سلطنة عُمان موارد مهمة لتوليد الطاقة من الرياح. وتؤكد هذه القدرات، إلى جانب الاستثمار في إنتاج وتصدير الهيدروجين الأخضر ومشتقاته، أن المنطقة تتمتع بمكانة جيدة تخوّلها التحوّل من كونها مصدّرًا رئيسيًا للوقود الأحفوري إلى مصدّر رائد للطاقة المتجددة.

التطلع إلى المستقبل

تبدو توقّعات عام 2024 الخاصة بمنطقة دول مجلس التعاون الخليجي أكثر تفاؤلًا مقارنةً بباقي دول العالم، وذلك نتيجة لإلغاء التخفيضات في إنتاج النفط، وحِفاظ أسعار النفط على مستويات مرتفعة دوليًا، ونمو الاقتصاد غير النفطي. ولا شك في أن معدّلات التضخم المعتدلة واتخاذ البنوك المركزية قرارًا بتخفيف قيود السياسات النقدية اعتبارًا من النصف الثاني من العام سيساهمان في تعزيز هذا النمو، في حين من المتوقّع أن يشهد قطاع السياحة أيضًا نموًا متواصلًا، وخاصة في المملكة العربية السعودية.

لمعرفة المزيد، ترقّبوا تقريرنا الجديد حول المشهد الاقتصادي في الشرق الأوسط حيث سنغوص في آخر التطورات الاقتصادية في المنطقة، إلى جانب مدوّنتنا التي تحمل عنوان "شؤون اقتصادية"، وسلسلة البودكاست "إيكونومي بايتس".

 

Contact us

Richard Boxshall

Global Economics Leader and Middle East Chief Economist, PwC Middle East

Tel: +971 (0)4 304 3100

Jing Teow

Director | Economic Policy and Strategy, PwC Middle East

Tel: +971 (0)56 247 6819

Follow us