
مع استعراض المشهد الاقتصادي لعام 2024، شهد الاقتصاد العالمي نمواً معتدلاً مصحوباً بتفاوتات إقليمية واضحة. فقد تجاوز الاقتصاد الأمريكي التوقّعات، محققاً نمواً بنسبة 2.8% خلال الربع الثالث، مدفوعاً بارتفاع ملموس في إنفاق المستهلك بنسبة 3.5% وزريادة في الصادرات بنسبة 7.5% . في المقابل، يُتوقع أن يكون النمو في الصين قد تباطأ إلى 4.8% في العام 2024، نتيجة التحديات المستمرة في قطاع العقارات وضعف الطلب المحلي.1
من جهة أخرى، وبعد عام من تطبيق سياسة منسقة تستند الى التشديد النقدي، يبدو أن معدلات التضخم تشهد انخفاضاً ملحوظاً. فمن المتوقّع أن تتراجع المعدلات العالمية من 6.7% في العام 2023 إلى 5.8% في العام 2024، ما يعكس تحقيق قدر من الاستقرار على الرغم من التباينات في الظروف الاقتصادية .
.2
وفي دول مجلس التعاون الخليجي، أسهمت الاستثمارات المستمرة في التنويع الاقتصادي، لا سيما في قطاعات السياحة والعقارات والصناعة، في تعزيز نمو القطاعات غير النفطية خلال العام 2024. وقد ساعدت هذه المكاسب في التخفيف من تأثير تخفيضات إنتاج النفط التي فرضتها مجموعة أوبك+، والتي أثرت بشكل كبير على إنتاج الموارد الهيدروكربونية. ونتيجة لذلك، بلغ متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي 3.7% متجاوزاً معدل النمو الاقتصادي الإجمالي البالغ 1.8%.
3
ويؤكد هذا الواقع فعالية جهود التنويع الاقتصادي، حيث شهدت دول مثل المملكة العربية السعودية، رغم كونها من الأكثر تأثراً بتخفيضات الإنتاج، نمواً ملحوظاً في قطاعها غير النفطي بنسبة 3.5%، على الرغم من النمو المتواضع في الناتج المحلي الإجمالي الذي لم يتجاوز 1.5%.
وفي العام 2025، من المتوقّع أن تستمر دول مجلس التعاون الخليجي في الحفاظ على مرونتها الاقتصادية، متجاوزة بفعالية التحديات الناجمة عن انخفاض الإيرادات النفطية والتوترات الجيوسياسية، من خلال خمسة محاور رئيسية تشكل ملامح العام المقبل:
تواجه المنطقة تحديات ناجمة عن انخفاض الإيرادات النفطية وسط تراجع الطلب العالمي، لا سيما في الصين. وقد قررت مجموعة أوبك+ تمديد الجدول الزمني لإنهاء تخفيضات الإنتاج بشكل تدريجي، ليتم ذلك بحلول عام 2025 بدلاً من نهاية عام 2024. ومن المتوقّع أن يبلغ متوسط سعر خام برنت 70 دولاراً أمريكياً للبرميل في العام 2025، مما يمثل انخفاضاً كبيراً بنسبة تقارب 30% مقارنة بأعلى المستويات المسجلة في العام 2022، وبأكثر من 10% أقل من متوسط الأسعار في عام 2024.
وبسبب تراجع آفاق النفط، برزت مسألة ضبط الأوضاع المالية العامة كإحدى الأولويات الرئيسية لاقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي المصدّرة للنفط. وتشير أرقام موازنات عام 2025 الى أن جميع دول المجلس تتوقّع انخفاضاً في الإيرادات مقارنة بعام 2024 نتيجة تراجع أسعار النفط.
وتشير موازنة المملكة العربية السعودية لعام 2025 إلى انخفاض النفقات بنسبة 1.5%، يعود ذلك بشكل رئيسي إلى تقليص الإنفاق الرأسمالي. وعلى الجانب الآخر، من المتوقع أن تُجري دولة الكويت تخفيضات أكبر، حيث تُظهر أرقام موازنة العام 2024/2025 انخفاضًا بنسبة 6.6% مقارنة بالدورة السابقة. في المقابل، تسعى دولة الإمارات العربية المتحدة إلى الحفاظ على مستويات الإنفاق التي سجلتها في عام 2024، فمما يعكس تبنيها لنهج مالي مستقر. من جهتها، أعلنت قطر عن زيادة في الإنفاق بنسبة 4.6%، معتمدة على أسواق الدين المحلية والدولية لتغطية العجز المتوقع.
تتجه دول مجلس التعاون بشكل متزايد نحو أسواق الدين الدولية لسد العجز في موازناتها، بهدف التكيف مع تداعيات انخفاض أسعار النفط مع الاستمرار في تمويل الاستثمارات الرامية إلى تحقيق التنويع الاقتصادي. وخلال عام 2024، بلغت قيمة إصدارات الدين في دول مجلس التعاون 120 مليار دولار أمريكي، ومن المتوقع أن تصل الديون المستحقة إلى نحو تريليون دولار أمريكي بحلول عام 2025.،.
من المتوقع أن يرتفع الدين الخارجي للمملكة العربية السعودية بنسبة 35% في عام 2025 مقارنة بمستوياته في عام 2022. وخلال الأسبوع الأول من عام 2025، نجحت الحكومة في إصدار سندات بقيمة 12 مليار دولار أمريكي. وفي الوقت ذاته، تخطط دولة الإمارات العربية المتحدة، رغم احتفاظها بفائض في الميزانية، لمواصلة الاقتراض عند مستويات عام 2024 حتى عام 2025، لدعم الاستثمارات الجارية. ويعكس هذا الاستخدام الاستراتيجي للديون التزام دول المنطقة بتحقيق توازن بين الضغوط المالية والأهداف الاقتصادية طويلة الأمد.
المصدر: صندوق النقد الدولي13، البيانات ما بعد عام 2025 تُعد توقعات مستقبلية
,تتمتع معظم دول مجلس التعاون الخليجي بهامش مالي واسع يمكّنها من زيادة الاقتراض عند الحاجة. فمعدلات الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في هذه الدول لا تزال منخفضة مقارنة باقتصادات مجموعة الدول العشرين، كما أن التصنيفات الائتمانية السيادية للدول الأعضاء تظل إيجابية أو مستقرة
تبدأ المنطقة العام الجديد بتحقيق أعلى معدل لتصنيف الائتمان السيادي منذ عام 2017، مدعومة بالتصنيفات الائتمانية المرتفعة التي سجلتها دول مجلس التعاون الخليجي. فقد رفعت وكالة "موديز" التصنيف الائتماني للمملكة العربية السعودية من "A1" إلى "Aa3"، كما قامت وكالة "إس آند بي" بترقية تصنيف سلطنة عُمان من "BB+" إلى "BBB-".، ومن المتوقّع أن يساهم رفع التصنيفات، المترافق مع سياسة نقدية تيسيرية بشكل أكبر في خفض تكلفة الاقتراض خلال العام 2025، ما يجعل الديون أداة أكثر جاذبية لتمويل الإنفاق والمبادرات الاستثمارية.
تُمثل إصلاحات الضرائب على دخل الشركات في المنطقة فرصة لتحقيق التوافق مع الركيزة الثانية لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وتعكس هذه الإصلاحات التزامًا بالشفافية الضريبية، مع دعم أجندة تنويع الإيرادات عبر إنشاء مصادر دخل مستقرة ومستدامة للحكومات.
تهدف هذه الإصلاحات إلى معالجة تآكل القاعدة الضريبية ومنع تحويل الأرباح، من خلال ضمان التزام الشركات متعددة الجنسيات بدفع معدل ضريبي أدنى يبلغ 15% بغض النظر عن مكان عملياتها. وفي هذا السياق، ستفرض الإمارات العربية المتحدة ضريبة إضافية بنسبة 15% على الشركات الكبيرة متعددة الجنسيات، استنادًا إلى ضريبة الشركات البالغة 9% التي تم تطبيقها في عام 2023. من جهتها، ستبدأ مملكة البحرين بتطبيق ضريبة الحد الأدنى الإضافية اعتبارًا من 1 يناير 2025، بينما تخطط الكويت لفرض ضريبة على دخل الجهات متعددة الجنسيات بنسبة 15% ابتداءً من عام 2025.
على الرغم من التوقعات بانخفاض الإيرادات النفطية، من المتوقع أن تشهد الإيرادات غير النفطية نموًا مدفوعًا باستمرار التوسع في القطاع غير النفطي، حيث يُتوقع أن ترتفع بنسبة 4.2% في عام 2025 مقارنةً بنسبة 1.8% المسجلة في عام 2024، مدعومةً من قطاعات مثل السياحة والتجارة والعقارات والتصنيع.
تشير بيانات مؤشرات مديري المشتريات (PMI) إلى ارتفاع مستمر في القطاعات غير النفطية حتى عام 2025. فقد ارتفع مؤشر مديري المشتريات في الإمارات العربية المتحدة إلى 55.4 في ديسمبر، بينما سجل مؤشر المملكة العربية السعودية 58.4، وكلاهما يتجاوز بكثير عتبة الخمسين نقطة التي تعكس التوسع الاقتصادي.،. وتواصل هذه المؤشرات الإيجابية تعزيز جاذبية المنطقة للمستثمرين العالميين، مدعومة بالإصلاحات الرامية إلى التنويع الاقتصادي وزيادة الاستثمارات. ومن المتوقع أن تعزز الإمارات العربية المتحدة مكانتها كقائد عالمي في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة نسبةً إلى حجم اقتصادها خلال عام 2025.
المصدر: صندوق النقد الدولي21
صبح التفتت الجغرافي-الاقتصادي المتزايد يشكل ملامح الاقتصاد العالمي بشكل متزايد. إذ تحتل الصناعات المحلية ومرونة سلاسل التوريد أولوية على حساب التكامل العالمي، مع تصاعد الإجراءات الحمائية التي تستهدف القطاعات الاستراتيجية، لا سيما قطاعات المركبات الكهربائية، وأشباه الموصلات، والمعادن الحيوية. وفي هذا السياق، تتخذ الدول تدابير صارمة لحماية مصالحها الاقتصادية والأمنية. على سبيل المثال، فرضت الصين قيودًا على صادرات معادن نادرة أساسية تُستخدم في تصنيع التقنيات المتقدمة، كرد فعل على الحواجز التجارية التي فرضتها الولايات المتحدة وأوروبا .
مع تصاعد التوترات الجيوسياسية في مطلع عام 2025، يُتوقع أن تتفاقم حدة النزاعات التجارية بين التكتلات الكبرى - الولايات المتحدة وأوروبا والصين - خاصة مع احتمالية عودة سياسات "أمريكا أولاً" في ظل إدارة ترامب. وعلى الرغم من أن التأثير الفوري لهذه السياسات قد يكون محدودًا، فإن الغموض المحيط بهذا الواقع الجديد، إلى جانب إعادة تشكيل مشهد التجارة الدولية وما يحمله من تداعيات كبيرة على النمو الاقتصادي العالمي بين عامي 2026 و2027، سيُسهم في خلق تحديات ملحوظة خلال عام 2025.
وسط هذه التوترات، تتبنى دول مجلس التعاون الخليجي نهجًا متعدد الأقطاب وأكثر استراتيجية في دبلوماسيتها، مع التركيز على تنويع تحالفاتها الدولية. ففي عام 2024، انضمت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة إلى مجموعة بريكس، بصفة مراقب وعضو على التوالي، ما يعكس التوجه نحو توسيع نفوذ المنطقة خارج نطاق شركائها التقليديين. كما تستفيد دول مجلس التعاون من موقعها الاستراتيجي ودورها الريادي في قطاع الطاقة لتعزيز الروابط الاقتصادية مع الاقتصادات الناشئة. الجدير بالذكر أن أكثر من 70% من صادرات النفط والغاز لدول مجلس التعاون أصبحت موجهة نحو آسيا، حيث تستحوذ الصين وحدها على 20% من هذه الصادرات. بالإضافة إلى ذلك، شهدت الواردات من آسيا نموًا ملحوظًا، ما يعكس تعمق الروابط الاقتصادية بين الجانبين.
عملت دول مجلس التعاون الخليجي بنشاط على إبرام اتفاقيات تجارة حرة تهدف إلى فتح أسواق جديدة وجذب الاستثمارات، مما يجعلها نموذجًا للانفتاح التجاري في عالم يزداد تشتتًا. ففي أكتوبر 2024، وقّعت اتفاقية التجارة الحرة التي طال انتظارها مع نيوزيلندا بعد عقد من المفاوضات. وتوشك حاليًا على الانتهاء من المفاوضات بشأن اتفاقية مماثلة مع المملكة المتحدة، التي يُتوقع أن تعزز التبادلات التجارية الثنائية بنسبة 16%. بالإضافة إلى ذلك، اتفقت دول مجلس التعاون مع الصين على تسريع وتيرة المفاوضات المتعلقة باتفاقية التجارة الحرة خلال عام 2025، بينما تستمر مناقشات مماثلة مع الاتحاد الأوروبي، اليابان، وشركاء آخرين.،
المصدر: البنك الدولي28، قاعدة بيانات الأمم المتحدة الإحصائية لتجارة السلع الأساسية29
تاريخيًا، واجهت مدن دول مجلس التعاون الخليجي تحديات تتعلق بالبنية التحتية والمناخ، مما ساهم في تكوين انطباعات بأن المنطقة غير جذابة للوافدين. ومع ذلك، تشهد المدن الكبرى في هذه الدول تحولات جذرية، حيث تسعى لترسيخ مكانتها كمراكز عالمية لاستقطاب المواهب ذات المهارات العالية. ويأتي ذلك بدعم من اقتصادات متطورة تتطلب خبرات رقمية، وفنية، وتحليلية متقدمة لدعم تحقيق طموحاتها المستقبلية.
كذلك، تساهم الاستثمارات في مجالي التخطيط الحضري والبنية التحتية في تحويل مدن دول مجلس التعاون إلى بيئات مستدامة وأكثر ملاءمة للعيش، ما يساهم في تحسين جودة حياة المواطنين والسكان على حد سواء. وفي هذا الإطار، تعتزم المملكة العربية السعودية استثمار 1.28 مليار دولار أمريكي في مشاريع سكنية جديدة خلال العام 2025. وسيشهد شهر يناير من العام المذكور اكتمال إطلاق مترو الرياض الذي طال انتظاره وبلغت تكلفته 22 مليار دولار أمريكي وكان بدأ عملياته في شهر ديسمبر من العام 2024. ومن المتوقّع أن تنتهي أعمال توسعة مترو الدوحة خلال العام 2025، ما سيساهم في تحسين الربط بين المناطق الحضرية الرئيسية وضواحيها.
سهم الاستثمارات في مجالي التخطيط الحضري والبنية التحتية في تحويل مدن دول مجلس التعاون إلى بيئات مستدامة وأكثر ملاءمة للعيش، مما يعزز جودة حياة المواطنين والمقيمين على حد سواء. وفي هذا السياق، تخطط المملكة العربية السعودية لاستثمار 1.28 مليار دولار أمريكي في مشاريع سكنية جديدة خلال عام 2025. كما سيشهد شهر يناير من العام نفسه اكتمال إطلاق مترو الرياض، المشروع الذي طال انتظاره وبلغت تكلفته 22 مليار دولار أمريكي، بعد بدء عملياته في ديسمبر 2024. وفي نفس االوقت، من المتوقع أن تنتهي أعمال توسعة مترو الدوحة خلال عام 2025، مما سيسهم في تحسين الربط بين المناطق الحضرية الرئيسية وضواحيها.
يبرز تصنيف المواهب العالمية الصادر عن المعهد الدولي للتنمية الإدارية هذا التقدم الملحوظ، حيث جاءت المملكة العربية السعودية في المرتبة 32 كوجهة مفضلة للمواهب العالمية، متقدمة من المرتبة 36، مما يعكس نجاح استراتيجيتها لاستقطاب المواهب. تساهم المبادرات المبتكرة مثل منح الجنسية للمواهب الاستثنائية في مجالات العلوم والطب والابتكار، بالإضافة إلى برنامج الإقامة المميزة، في تعزيز قدرة المملكة على جذب المواهب والحفاظ عليها.
تحظى مشاريع التنمية الحضرية بدعم كبير من الاستثمارات الضخمة في قطاع السياحة، مما يعزز جاذبية المنطقة للمهنيين الوافدين والسياح على حد سواء. ومن الأمثلة البارزة على ذلك، منتجع جزيرة سندالة في السعودية، الذي تم افتتاحه أواخر عام 2024، والذي يستهدف المسافرين من أصحاب الثروات الضخمة، ومن المتوقع أن يدر عائدات سنوية بقيمة 10 مليارات ريال سعودي للقطاع السياحي اعتبارًا من عام 2025. بالإضافة إلى ذلك، ستُبرز استضافة المملكة لمنتدى التراث العالمي لعام 2025 مواقعها التاريخية والثقافية، مما يعكس التزامها بالحفاظ على التراث مع تعزيز السياحة المستدامة والتبادل الثقافي العالمي
فعلاوة على ذلك، من المتوقع أن يسهم إطلاق العمليات التشغيلية لطيران الرياض في عام 2025، بسعة استيعابية تصل إلى 25 مليون راكب في العام الأول ورحلات مباشرة إلى أكثر من 100 وجهة، في تحسين الربط بشكل كبير للزوار والمهنيين الدوليين. وفي إطار التحضير لمعرض الرياض إكسبو 2030 وكأس العالم لكرة القدم 2034، تقوم المملكة باستثمارات ضخمة في مدنها الرئيسية، مثل الرياض وجدة والدمام، مع التركيز على توسيع البنية التحتية، وتطوير شبكات النقل، وبناء ملاعب ومنشآت ضيافة عالمية المستوى
ولا تقتصر هذه المشاريع على استعداد المملكة لاستضافة فعاليات عالمية بارزة فحسب، بل تعزز أيضًا جاذبيتها كمركز رئيسي للمواهب عالية المهارة التي تسعى إلى فرص واعدة في اقتصاد يشهد تطورًا سريعًا.
بفضل بنيتها التحتية المتطورة في تقنية المعلومات والاتصالات، ووفرة رأس المال، واستعدادها لتبني التقنيات المتقدمة، تمكنت دول مجلس التعاون من ترسيخ مكانتها كقائد عالمي في مجال الذكاء الاصطناعي والابتكار. ومن المتوقع أن يشهد عام 2025 تركيزًا متزايدًا على تعزيز الاستثمارات في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، وإبرام شراكات استراتيجية مع الشركات العالمية الرائدة في هذا المجال، بالإضافة إلى بناء أطر قوية لضمان أمن البيانات وخصوصيتها، مما يدعم النمو المستدام لتقنيات الذكاء الاصطناعي.
يشير النمو المتزايد في الطلب على الخدمات السحابية وحلول الحوسبة الحدية المدعومة بالذكاء الاصطناعي، بالتزامن مع متطلبات توطين البيانات، إلى أهمية متزايدة للاستثمارات في البنية التحتية المتقدمة والقابلة للتوسع. ومن أبرز هذه الجهود، مشروع "التفوق في مجال الذكاء الاصطناعي" (Project Transcendence)، الذي أُعلن عنه أواخر عام 2024، والذي يعكس التزامًا باستثمار 100 مليار دولار أمريكي لتسريع تطوير البنية التحتية ودعم منظومة الذكاء الاصطناعي في المملكة. ,في السياق ذاته، تعمل شركة "إم جي إكس" للاستثمار التكنولوجي، التي أسستها مجموعة جي 42 وشركة مبادلة ومقرهما أبوظبي، على تطوير بنية تحتية مادية تدعم تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك مراكز البيانات ومنشآت تصنيع أشباه الموصلات. بالإضافة إلى ذلك، يتم بناء مركز بيانات مدعوم بتقنيات الذكاء الاصطناعي بسعة 100 ميجاوات في عجمان، الإمارات العربية المتحدة، ليكون الأكبر من نوعه في المنطقة، مما يعزز مكانة المنطقة كمركز رائد للابتكار التكنولوجي.
وستبقى الشراكات العالمية حجر الأساس في أجندة الذكاء الاصطناعي لدول مجلس التعاون الخليجي خلال عام 2025. فقد تم بالفعل الإعلان عن العديد من الشراكات الجديدة، من بينها اتفاقية بين صندوق الاستثمارات العامة السعودي وشركة ألفابت، الشركة الأم لجوجل، لإنشاء مركز متقدم للذكاء الاصطناعي في المملكة، بما يتماشى مع مشروع Project Transcendence. وفي أبريل 2024، أعلنت شركة مايكروسوفت عن استثمار 1.5 مليار دولار أمريكي في شركة جي 42، مما سيسهم في إنشاء مركزين للأبحاث في مجال الذكاء الاصطناعي في المنطقة. كما حظيت منصة Hub71+ AI، الحاضنة الحديثة للشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي، بدعم من شركات كبرى مثل أمازون ويب سيرفيسز، وجوجل، وإنفيديا، وهيوليت باكارد إنتربرايز، مما عزز من إمكانياتها في توفير البنية التحتية ودعم المواهب وفتح آفاق البحث والتطوير. من جانبها، أعلنت مجموعة Ooredoo عن توقيع شراكة مع شركة إنفيديا لتصبح الشريك السحابي لها، عبر استخدام منصة الحوسبة المتسارعة في مراكز بياناتها في قطر، والكويت، وسلطنة عُمان، مما يساهم في تعزيز قدرات الذكاء الاصطناعي في المنطقة.
ستسهم الأطر التنظيمية المتطورة في مجال البيانات والأمن السيبراني في دعم هذه التطورات بشكل كبير. فقد بدأت تشريعات حماية البيانات الشخصية في المملكة العربية السعودية بالدخول حيز التنفيذ، إلى جانب إطار الاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي، الذي يهدف إلى تحقيق توازن بين الابتكار من جهة، وضمان الخصوصية والشفافية من جهة أخرى. كما تم تعزيز أطر الأمن السيبراني في المنطقة لحماية البنية التحتية الحساسة، والحد من التهديدات السيبرانية، مثل هجمات فيروسات الفدية. بالإضافة إلى ذلك، بدأت دول مجلس التعاون بتشديد اللوائح التي تفرض تخزين البيانات الحساسة محليًا، خاصة في القطاعين الحكومي والمالي، مما يضمن حماية أقوى للبيانات وتعزيز السيادة الرقمية.
من المتوقع أن يشهد عام 2025 مزيدًا من التطورات التنظيمية، حيث تعمل الحكومات على تعزيز متانة الأطر التي تنظم استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي والمسؤولية الخوارزمية. ويهدف ذلك إلى الحد من انتشار المعلومات المضللة وتحسين الامتثال لقوانين الملكية الفكرية.كما سيخضع استخدام الذكاء الاصطناعي في مجالات محددة، مثل التصنيف الائتماني ورصد الاحتيال في القطاع المصرفي، لتدقيق أكبر لضمان تحقيق نتائج عادلة وفعالة يمكن تفسيرها بشفافية، مما يعزز الثقة في التطبيقات العملية للذكاء الاصطناعي.
المشهد في دول مجلس التعاون خلال العام 2025
على الرغم من التحديات المالية المتزايدة والتفتت الجغرافي-الاقتصادي المتنامي، تُظهر دول مجلس التعاون الخليجي قدرة عالية على التكيف، مدعومة بتحالفاتها العالمية وقوتها المالية. كل ذلك يضعها في موقع متميز يتيح لها مواجهة التعقيدات التي قد يحملها عام 2025 بثقة ومرونة
يؤكد استمرار الاستثمارات في القطاعات غير النفطية، واعتماد أطر ضريبية عالمية، وتحقيق تقدم في مجالات الذكاء الاصطناعي والتنمية الحضرية، التزام دول مجلس التعاون ببناء اقتصاد عالمي تنافسي قادر على مواكبة التطورات المستقبلية بكل كفاءة.
لمعرفة المزيد، ترقّبوا تقريرنا الجديد حول المشهد الاقتصادي في الشرق الأوسط حيث سنطلع على آخر التطوّرات الاقتصادية في المنطقة، إلى جانب مدوّنتنا التي تحمل عنوان "شؤون اقتصادية"، وسلسلة البودكاست "إيكونومي بايتس".