التمويل الإسلامي والاستثمار وفق المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية

هل اقتربت نقطة الالتقاء؟

التمويل الإسلامي والاستثمار وفق المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية: هل اقتربت نقطة الالتقاء؟

يشكّل فهم أوجه التشابه ما بين الاستثمار وفق مبادئ التمويل الإسلامي والمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية، فرصة رئيسية للبنوك ومديري الأصول في منطقة الشرق الأوسط.

لدى التمويل الإسلامي والاستثمار المستدام أو المسؤول، العديد من القواسم المشتركة، فهما يتشاركان مبدأ أساسيًا ألا وهو تفادي إلحاق الضرر. ولكن هل تعني هذه الأرضية المشتركة بالضرورة أن هذين الذراعين من قطاع التمويل قد تجمعهما فعلًا نقطة التقاء كما يزعم البعض؟ لا شكّ في أن هذه الفرضية مثيرة للاهتمام لأسباب عدّة، فمثلًا إذا تمّ اعتماد منتجات التمويل الإسلامي على أنها متوافقة مع المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية، قد يفتح ذلك باب سوق عالمي كبير ومتنامي للبنوك في الشرق الأوسط والتي تقدّم خدمات التمويل الإسلامي.

يلتقي الكثير من مبادئ التمويل الإسلامي مع مبادئ الاستثمار المسؤول الذي بات يُعرف في يومنا هذا بالاستثمار وفق المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية. نظريًا، هناك إمكانية في السوق لضمّ منتجات التمويل الإسلامي على سبيل الصكوك المتوافقة مع الشريعة الإسلامية أو أموال الوقف في محافظ المستثمرين حول العالم الذين يتطلعون إلى استيفاء المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية، ومنح المؤسسات المصرفية الإسلامية حصة متنامية مما قد يصبح أحد أكبر قطاعات الاستثمار في المستقبل، إن لم نقل القطاع المهيمن.

إن لم يتبلور بعد مشهد الالتقاء هذا، فلا يعني ذلك أنه لن يحصل مطلقًا. ولكن بدايةً، يتعيّن على المستثمرين وفق المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية والمهنيين في مجال التمويل الإسلامي، أن يكونوا مدركين تمامًا ومتقبّلين لأوجه الاختلاف كما التشابه ما بين هاتين المقاربتين الاستثماريتين. وعليهم أن يعوا أن أسواق هاتين المقاربتين ما زالت مختلفة، إذ إن الاعتمادات والشهادات المطلوبة ونطاق المقاييس ومنهجيات الممارسة ليست متسقة تمامًا - والجدير بالذكر أن فهم هذه الاختلافات هو حجر الأساس لاغتنام الفرص الكامنة.

ما مدى هذا التشابه؟

التمويل الإسلامي عبارة عن نهج استثمار قائم على مبادئ محددة، يستند إلى معايير على سبيل مشاركة الأرباح والاعتماد على الأصول الأساسية، وتفادي المعاملات المالية البحتة، والمساءلة، والشفافية، وحظر تداول منتجات وخدمات معيّنة. وقد تمّ تصميم هذا النهج الاستثماري لا لضمان الامتثال للمبادئ الإسلامية المعتمدة فحسب، بل للحرص على استقرار الاستثمار واستدامته أيضًا. وهو يجسّد بالتالي استراتيجية طويلة الأمد للحدّ من مخاطر التقلبات، ما يشكّل عاملًا جاذبًا للمستثمرين.

في المقابل، يركّز الاستثمار وفق المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية على الحدّ من المخاطر على الأمد الطويل وعلى مجموعة من مقاييس الأثر المصممة للحدّ من الضرر كذلك. إلا أن هذا النوع من الاستثمار يعتبر أكثر توسعًا إذ أنّه يشمل مقاييس بيئية لقياس انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والحدّ منها، ومقاييس خاصة بالتلوّث، والتنوع الإحيائي والمخلفات، إلى جانب مقاييس اجتماعية على سبيل النوع والتنوّع، وحقوق الإنسان، ومعايير العمالة. ويغطي عنصر الحوكمة في المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية، الإشراف والمساءلة والمكافآت وممارسات الضغط السياسي. لم يتبلور بعد تعريف أو تصنيف عالمي موحّد للاستثمار وفق المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية، إلا أننا نشهد بروز بعض المعايير الناشئة (مثل معايير المبادرة العالمية لإعداد التقارير أو تصنيف الاتحاد الأوروبي للأنشطة الاقتصادية المستدامة) التي ستستمر حتمًا بالتطوّر. 

لا شكّ في وجود أرضية مشتركة تجمع ما بين التمويل الإسلامي والاستثمار وفق المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية، وثمّة إمكانية لتلبية هذين النهجين الاستثماريين لطلبات سوق استثمار مشترك. إن أوجه الترابط ما بين هذين النهجين واضحة، ولكن في الوقت عينه، لا يمكن غضّ النظر عن بعض الاختلافات المتجذرة في المبادئ والممارسات. وبالتالي، يتعيّن على المهنيين في المجال فهم هذه الاختلافات ليتمكنوا من بناء سبيل مشترك للاستثمار وفق المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية والتمويل الإسلامي.
 

حصة السوق مهمة في عالم المال

يعتبر مجال الاستثمار المستدام أكبر من مجال التمويل الإسلامي، كما يشهد نموًا أسرع وتيرة. ترجّح التقديرات الأخيرة الصادرة عن بلومبيرغ أن يبلغ حجم سوق أصول الاستثمار وفق المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية بحلول العام 2025 قيمة 53 ترليون دولار أمريكي، أي أنّه سيشكّل ثلث الإجمالي العالمي المتوقّع. تعني هذه التقديرات أن الأصول المدارة ستنمو بأكثر من الضعف في أقل من عقد من الزمن (بلغت قيمة أصول الاستثمار وفق المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية 228 ترليون دولار أمريكي في العام 2016). 

في المقابل، ستصل قيمة منتجات التمويل الإسلامي إلى أقل من 3 ترليون دولار أمريكي بحلول العام 2025، على افتراض استمرار نمو السوق بما يناهز 10% وفقًا للتقديرات الأخيرة الصادرة عن وكالة إس أند بي جلوبال.

من المهم جدًا أخذ هذا التفاوت بالاعتبار فهو يؤدي حتمًا إلى حاجة أكبر من القدرات التحليلية والبيانات في سوق الاستثمار وفق المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية. وعلى الرغم من قابلية مقارنة مجموعة المهارات المطلوبة في التمويل الإسلامي مع الاستثمار وفق المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية، إلا أن الإجراءات المتبعة في هذه المعايير تتطلّب كمًّا كبيرًا من البيانات الخاصة، ما يعني بالتالي أن دخول عالم الاستثمار وفق المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية قد يستوجب استثمارًا كبيرًا في المهارات والإجراءات على صعيد البنوك الشرق أوسطية التي تتخصص في التمويل الإسلامي.

هناك أيضًا عدم تطابق في النطاق في ما يتعلّق بالتمويل الإسلامي والاستثمار وفق المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية. إن مبدأ التمويل الإسلامي محدد بوضوح بما لا يفسح المجال للتأويل فمثلًا تعتبر الكحول والأغذية غير الحلال من المنتجات المحظورة كما أن الفوائد والبيع على المكشوف من الممارسات المحظورة وكلّها سهلة التحديد. ولكن على المقلب الآخر، فإن نطاق المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية أوسع وخاضع لتطوّر مستمر. يعني هذا النطاق الأوسع أن الكثير من العوامل الأساسية بالنسبة إلى اتخاذ قرار في الاستثمار وفق المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية، قد لا تكون على هذا القدر من الأهمية المباشرة بالنسبة إلى التمويل الإسلامي. أمّا بالنسبة إلى الحوكمة المؤسسية، فهي للمستثمرين وفق التمويل الإسلامي تدور أساسًا حول المساءلة والشفافية والموثوقية، فيما تُحسم المسائل الخاصة بالحوكمة المؤسسية وفقًا لتصويت المساهمين للمستثمرين وفق المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية.

إلى ذلك، تتواجد بعض العناصر التي تعتبر مهمة للمستثمرين وفق التمويل الإسلامي ولكنها غير مؤثرة بشكل كبير أو على الإطلاق في اعتبارات الاستثمار وفق المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية، على سبيل القيود على الهيكليات المالية، أو تفادي الاستثمارات القائمة على الأصول غير الملموسة (ففي الاستثمار وفق المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية، تعتبر الأصول الملموسة مثل الموارد الطبيعية التي قد تترك أثرًا بيئيًا سلبيًا، جزءًا من المشكلة وليس الحل). 

من المهم جدًا أخذ هذا التفاوت بالاعتبار فهو يؤدي حتمًا إلى حاجة أكبر من القدرات التحليلية والبيانات في سوق الاستثمار وفق المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية.

فرص مشتركة لتوجهات فكرية مختلفة

لا شكّ في وجود اختلافات ما بين التمويل الإسلامي والمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية إلا أنها في معظمها على صعيد الإجراءات وليس المبادئ الأساسية. ومع ذلك، من المهم إدراك قيام هذين النهجين الاستثماريين على توجهات فكرية مختلفة: يُعدّ الاستثمار وفق المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية مجالًا سريع التطوّر، والاختيارات فيه أكثر جرأة، كما أنّه عالي التنافسية (ولا يخلو من المخاطر). من الناحية الأخرى، يقوم عالم التمويل الإسلامي بدايةً على العقيدة، وعلى مبادئ مثبتة وموثوقة، كما تتوفّر فيه هيكلية حوكمة واضحة ومحددة. يختلف الأفق المستقبلي ما بين الاستثمار وفق المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية الذي يركّز على ضمان الاستدامة عبر مواصلة التعاون ما بين المستثمر والشركة، والتمويل الإسلامي الذي يركّز على تفادي إلحاق الضرر القائم على قواعد محددة. 

ولكن قد تشكّل هذه الاختلافات فرصًا مهمة، إذا تم التعامل معها بشكل صحيح. تعتبر مسألة الشهادات والاعتمادات، من الفرص الواضحة التي يتعيّن على المهنيين الماليين اغتنامها لربط عالم الاستثمار وفق المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية بالتمويل الإسلامي. يجب أن تحمل الاستثمارات وفق المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية ووفق التمويل الإسلامي، شهادات تجعل هذين النهجين الاستثماريين موضع ثقة متبادلة. من الناحية العملية، يعني ذلك توافر نوع من الشهادات للامتثال للمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية يتم منحها لمنتجات التمويل الإسلامي المؤهلة. 

إن شروط الحصول على شهادة الامتثال للشريعة الإسلامية، واضحة ومحددة. تتولّى مجالس الشريعة الإسلامية إلى جانب الفقهاء بالدرجة الكبرى مسؤولية إقرار وتنظيم استثمارات التمويل الإسلامي، على الرغم من وجود هيئات أخرى تدقق في هذه الاستثمارات أيضًا. حتى الساعة، ما من شهادة امتثال للمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية متفق عليها على نطاق واسع يتم منحها لمنتجات التمويل الإسلامي، ولكن يمكن للبنوك أن تغتنم هذه الفرصة وتمضي قُدمًا لتحقيق ذلك. 

وهناك بعض الإشارات على بدء هذه العملية فعلًا، منها مؤخرًا إصدار البنك الأهلي السعودي وبنك الرياض صكوك مستدامة في العام 2022، وإصدار بنك أبوظبي الأول صكوك خضراء في العام 2021. ولا بدّ من التنويه أخيرًا بأن المؤسسات التنظيمية المالية الإقليمية تنشط أيضًا في إقرار مبادئ التمويل الإسلامي والمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية، بما فيها دار المراجعة الشرعية في البحرين وهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية. 

في ضوء تقلبات عالم الاستثمار، الوقت مناسب ليسطع نجم التمويل الإسلامي

تشكّل فترات النشاط الاقتصادي المختلفة، الفرصة الأبرز لاقتراب التمويل الإسلامي من سوق الاستثمار وفق المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية. 

من المتعارف عليه أن الاستثمارات وفق التمويل الإسلامي تسجّل أداءً أفضل خلال فترات انخفاض النشاط الاقتصادي، وتركّز على قطاعات العمل ذات قدرة الصمود المرتفعة التي تستطيع المحافظة على استقرارها في مختلف المراحل الاقتصادية. 

إن عالمنا اليوم على مشارف الدخول في فترة جديدة من النمو الحذر أو حتى ركود. ومن هذا المنطلق، تعتبر فلسفة الاستثمار في قطاعات تسجّل نموًا متواضعًا ولكن مستقرًا ومن دون الدخول في ديون كبيرة، أكثر قدرة على استقطاب المستثمرين. 

يقدّم هذا الوضع الراهن، فرصة مهمة يمكن للبنوك الإسلامية اغتنامها: إن الاستثمار وفق المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية مجال عالي التنافسية يستوجب تكاليف مقدّمة. بالتالي، تتوافر فرصة لمقدّمي خدمات التمويل الإسلامي لبدء بناء أسواق وترسيخ علامتهم في المجال الاستثماري الأسرع نموًا في العالم، وذلك عبر تلبية احتياجات المستثمرين الذين يبحثون عن استراتيجيات استثمار محافظة ومنخفضة الخطورة إلى حدّ ما، تتوافق مع المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية. 

باستطاعتنا في شركة بي دبليو سي مساعدة عملائنا في مسيرتهم الخاصة بالمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية، بما يشمل الإضافة المحتملة لجانب التمويل الإسلامي، والبناء على معرفتنا وخبراتنا الوافرة في الامتثال للشريعة الإسلامية، بدءًا من وضع الاستراتيجية ووصولًا إلى التنفيذ وإعداد التقارير ذات الصلة.
 

تواصل معنا

Ashruff Jamall

Global Islamic Financial Services Leader, PwC Middle East

Tel: +971 (4) 304 3105

Shereen Osman

Senior Manager | Assurance | Islamic Finance, PwC Middle East

Follow us