تولي دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أهمية كبيرة لنتائج تحصيل الطلاب في مراحل التعليم من رياض الأطفال حتى الصف الثاني عشر. ومع ذلك، فإن أدائهم على المؤشرات والتصنيفات الدولية لم يرق بعد إلى هذا الطموح. ويَعتقد خبراء التعليم على مستوى العالم أن كفاءة المعلمين هي أمر بالغ الأهمية لنجاح الطلاب في مراحل التعليم من رياض الأطفال إلى الصف الثاني عشر (انظر الصفحة رقم 7). إذاً، كيف يمكننا ضمان حصول كل طالب على معلمين متميزين؟
يَقترح هذا التقرير تطبيق إطار تطوير قدرات المعلمين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بهدف تنمية معلمين مؤثرين. يَعتمد الإطار على أربعة مراحل رئيسية في رحلة تطوير قدرات المعلم، بدءاً من عملية إعداد المعلمين الأولي وصولاً إلى تطوير القيادة المهنية والتعليمية. يُحدد الإطار الأنشطة التي يجب تنفيذها وفرص التطوير التي يجب توفيرها من قبل الجهات الوطنية والإقليمية والمحلية في منظومة تطوير قدرات المعلمين. عند تطبيق هذا الإطار، يمكننا تَحديد الفجوات والتحديات الشائعة في المنظومة خلال رحلة تطوير قدرات المعلم، وتقديم اقتراحات للجهات المعنية بشأن الإجراءات المستهدفة لمعالجة هذه المشاكل. بالطبع، يَجب أن نأخذ في عين الاعتبار التنوع الكبير داخل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ستختلف تجارب المعلمين بناءً على ما إذا كانوا يعملون في القطاع الحكومي أو الخاص كما ستتأثر بالنظام السياسي والاقتصادي المختلف لكل بلد. لا تَهدف هذه القيادة الفكرية إلى تعميم تجارب المعلمين، بل إلى تشجيع إجراء المزيد من الأبحاث المتعمقة والشاملة في رحلة المعلم في كل بلد.
ومع الأخذ في الاعتبار النظام الداخلي لكل بلد، ندعو الجهات المعنية مثل وزارات التعليم وهيئات ضمان الجودة وكليات التربية والمدارس إلى تعزيز كفاءة المعلمين من خلال تطبيق هذا الإطار كأداة تهدف إلى:
تتميز منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالتنوع، فلا يمكن تطبيق نهج عام واحد في إصلاح التعليم. ولكن، تتفق دول هذه المنطقة على أهمية التعليم كمحرك رئيسي لتحقيق الأهداف الاقتصادية. مع الأخذ في الاعتبار أن 55% من السكان لا تتعدى أعمارهم 30 سنة، تتحمل حكومات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مسؤولية الأجيال الشابة. وتَكمن نتائج التعليم في صلب الاستراتيجيات الوطنية والخطط الواسعة لبناء اقتصاد عالمي معرفي تنافسي.
تُشير الجهود المبذولة لتحسين نتائج تحصيل الطلاب في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى نتائج واعدة، مثل زيادة ميزانيات التعليم وتحديث المناهج الدراسية والتركيز على مواضيع العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، بالإضافة إلى اعتماد نظام التعلم عبر الإنترنت كاستجابة سريعة لجائحة كوفيد-19. مع ذلك، على الرغم من هذه المبادرات، تُسجل جميع دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا درجات أقل من المتوسط (أي أقل من 500 نقطة) في اثنين من التقييمات الدولية الرئيسية — الدراسة الدولية لقياس مدى تقدم القراءة في العالمPIRLS) ) ودراسة الاتجاهات الدولية في الرياضيات والعلوم TIMSS)). ستحتاج دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى تنفيذ سياسات ومعايير ومبادرات مُستهدفة تَعتمد على الأدلة وتتناول المسائل الأساسية التي تؤثر على الأداء وذلك لتحقيق هدفها في تحقيق نتائج فوق المتوسط في هذه التقييمات. فما هي تلك المسائل الأساسية، وكيف يمكن معالجتها بفعالية؟
مسألة كفاءة المعلمين وارتباطها بأداء الطلاب بداية من مرحلة رياض الأطفال إلى الصف الثاني عشر
عند فحص التحليلات والأطرالمثبتة دولياً لنجاح التعليم من مرحلة رياض الأطفال إلى الصف الثاني عشر، تشمل العوامل الأكثر شيوعًا ما يلي:
يُشارغالباً إلى بحث جون هاتي حول المصادرالرئيسية للتفاوت في تحصيل الطلاب، حيث يُشير إلى أن المعلمين يشكلون 30% من التفاوت في تحصيل الطلاب، في حين تُساهم عوامل مثل المنزل والمدارس والأقران بنسبة تتراوح بين 5% و10% لكل منها. بالإضافة إلى ذلك، تُشير دراسات أخرى إلى أن المعلمين المتميزين يمكنهم تحسين درجات طلابهم في البرنامج الدولي لتقييم الطلبة بنسبة تصل إلى 53% مقارنةً بنظرائهم الذين يفتقدون إلى مهارات التدريس لنفس الطلاب.
**معلم يتلقى الدعم والتحفيز القوي ويتمتع بأساس قوي في المحتوى التعليمي وطرق التدريس
"إن التأثير الأعظم على تحصيل الطلاب ليس العرق، ولا الفقر، بل كفاءة المعلم."
"إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ وَعِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ وَوَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ"
"قُـمْ للمعلّمِ وَفِّـهِ التبجيـلا كـادَ المعلّمُ أن يكونَ رسولا أعلمتَ أشرفَ أو أجلَّ من الذي يبني وينشئُ أنفـساً وعقولا"
حققت دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تقدماً كبيراً في تطوير قدرات المعلمين من خلال إنشاء مؤسسات مخصصة، مثل كلية الإمارات للتطوير التربوي (تأسست في سنة 2007) في الإمارات العربية المتحدة، والمعهد الوطني التطوير المهني التعليمي (تأسس في سنة 2021) في المملكة العربية السعودية، وأكاديمية الملكة رانيا لتدريب المعلمين (تأسست في سنة 2009) في الأردن.
بينما توظف المملكة العربية السعودية والأردن ومصر مجتمعين أكثر من 1.5 مليون مُعلم، لا يزال هنالك نقص في التوثيق الشامل لتجارب تطوير قدرات المُعلمين الفريدة واحتياجاتهم.
المصدر: إحصاءات رسمية ومعلومات متاحة للعامة
تبدأ رحلة التطوير المهني للمعلم قبل توليه أول وظيفة له بفترة طويلة، وتستمر طوال مسيرته المهنية، وتحتاج إلى دعم بعد مرحلة التدريب الأولية.
تتكون رحلة تطوير قدرات المعلم على مدى مسيرته المهنية من أربع مراحل رئيسية:
تُمثل كل مرحلة من هذه المراحل فرصة لتشكيل وبناء معلمين مميزين. يُمكن للجهات المعنية بالتعليم على مستوى العالم الاستفادة من هذه الفرص، ولكن تحقيق ذلك يَتطلب تقييماً دقيقاً للتحديات التي تواجههم في كل مرحلة من مراحل الرحلة.
يُمكن تلخيص أبحاث شركة بي دبليو سي في الشرق الأوسط ودراسة الأدبيات ذات الصلة في قائمة غير شاملة لعوامل الخطر في كل خطوة من رحلة تطوير قدرات المعلم في المنطقة على وجه الخصوص.
ملخص توضيحي لأهم التحديات التي عادةً ما تواجهها دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في كل مرحلة من مراحل رحلة تطوير قدرات المعلم (غير شامل)
هناك الكثير لنتعلمه من قصص النجاح الإقليمية والدولية في التخفيف من تحديات التطوير المهني للمعلم. من الأمثلة على ذلك، وضع متطلبات قبول صعبة لبرنامج الإعداد الأولي للمعلم، كما هو الحال في فنلندا، حيث تتراوح معدلات القبول بين 10% إلى 40%، أو دمج برنامج توجيه المعلم الصارم الذي يُدار مركزياً في سنغافورة لمدة سنتين والمكون من ست خطوات، وكذلك الإطار الثلاثي الخطوات في أستراليا لتصميم خطط تطوير مهني شخصية فعالة. بينما يعتبر تحديد مثل هذه التدخلات الجيدة أمراً يسيراً نسبياً، فإن تجاربنا تُشير إلى أن تنفيذها يكون صعباً للغاية إذا لم تكن منظومة التعليم والجهات المعنية فيه منظمين ومتناغمين بشكل جيد.
،ُطرح عدد من تحديات المنظومة بشكل متكرر في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والأكثر شيوعاً هي:
أهداف غير واضحة فيما يتعلق بتطوير قدرات المعلم، مما يؤدي إلى محدودية تتبع الأثر وتحقيقه
دراسة أمينة التمامي حول برامج القيادة التعليمية في مصر، على سبيل المثال، تُناقش مبادرات التطوير المهني للمعلم غير المتسقة والتي تفتقر إلى رؤية أو أهداف واضحة. هذا أدى إلى توفير معلمين غير مؤهلين وتقليل الثقة في المهنة.
استخدام غير متسق لمعايير وكفاءات المعلم
في المملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، تُستخدم وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية ووزارة التعليم وهيئة تقويم التعليم والتدريب أطراً مختلفة، مما يزيد من تعقيد دور المعلم ويُقلل من تركيزه.
أدوار ومسؤوليات غير واضحة
في المملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، يتولى تفويض ترخيص المدربين عدة منشآت، مثل هيئة تقويم التعليم والتدريب والمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني والمعهد الوطني التطوير المهني التعليمي، مما ينتج عنه مخاطر تكرار العمل وتقليل المساءلة.
نقص التنسيق والتناغم بين الجهات المعنية
غالباً ما يكون هناك عدم ترابط بين الجهات، مثل هيئات ضمان الجودة والمدارس، أو بين القائمين على توظيف المعلمين وكليات التربية. في دراسة أجريت لقطر، أكد المشاركون في مجموعة التركيز على ضعف التعاون بين وزارة التعليم والتعليم العالي وكلية التربية في جعل التدريس مهنة جذابة.
تكمن جذور هذه التحديات في حقيقة أن منظومات تطوير المعلمين كبيرة وتشمل العديد من الجهات. تعبر الجهات المعنية عالمياً عن قلقهم بشأن ضعف التعاون بين منظومات تطوير قدرات المعلمين الخاصة بهم ويجدونها صعبة التوجيه.
ضعف التعاون بين الجهات المعنية الأساسية على مدار رحلة تطوير قدرات المعلم
ذلك يوضح رحلة تطوير قدرات المعلم لخطر عدم التناسق و/أو التعقيد الزائد، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى عدم تلبية احتياجات المستفيد النهائي - المعلم.
من الضروري أن تكون جهود كل جهة مدعومة من قبل الأطراف المسؤولة عن الأجزاء الأخرى من الرحلة. على سبيل المثال، قد تُصمم وزارة التعليم برنامج تطوير مهني ممتاز، ولكن إذا كانت متطلبات القبول منخفضة لبرنامج الإعداد الأولي للمعلم تَعني أن القوى العاملة التعليمية لا تتكون من معلمين متحمسين وشغوفين، فسيظل هناك دائمًا حد لتأثير البرنامج. قد تنفذ كلية التربية حملة توعية وتواصل هامة لتغيير المفاهيم الراسخة حول مهنة التدريس، ولكن إذا ظلت رواتب المعلمين وظروف العمل دون المستوى المطلوب، فلن يتغيرالكثير.
يُبرز هذا الحاجة إلى التعاون والرؤية المشتركة بين صُناع السياسات، والجهات التنظيمية ومقدمي التدريب والمدارس والمعلمين. كل واحد من تلك الجهات المعنية يمكن أن يكون مناصراً لرحلة أفضل للمعلم.
يُعد إطار تطوير قدرات المعلمين بمثابة أداة للأطراف في المنظومة لتحديد نقاط الضعف والدعوة إلى إيجاد حلول وإدارة الجهات المعنية
يمكن استخدام هذا الإطار لتقييم قوة منظومة تطوير قدرات المعلمين ومساعدة الجهات المعنية على تصور كيفية عمل النظام بوضوح وتحديد نطاق أدوارهم؛ حيث تسود الرقابة؛ وكيف يمكنهم العمل معاً بشكل أكثر فعالية.
يُحدد إطار تطوير قدرات المعلمين بالاعتماد على أفضل الممارسات العالمية الهيكل العام لمنظومة قوية عبر ثلاثة مستويات، مع وضع رحلة المعلم في المنتصف.
على المستوى الخارجي (الإطار التنظيمي والحوكمة لقطاع التعليم)، تُحدد الجهات التنظيمية الوطنية التوجه الوطني والأولويات الاقتصادية. وفي المستوى الثاني (الإطار التنظيمي والحوكمة للمعلم)، تَبني السلطات القطاعية والإقليمية الأساس الذي يتضمن:
أدوار ومسؤوليات الجهات المعنية في المنظومة
على المستوى الثالث الداخلي (الممارسة المهنية والتعلم) – لأجل برنامج الإعداد الأولي للمعلم وبرنامج تطوير المعلم في بداية مسيرته المهنية وبرنامج التطوير المهني للمعلم وبرنامج تطوير القيادة التعليمية – يقوم المشغلون والمزودون بإجراء تحليلات للاحتياجات وتخطيط العروض السنوية وتصميم وتطوير البرامج والتقييمات. كما يقومون بأنشطة التوعية والجذب وفرز المتقدمين وتقديم البرامج وتقييم وإصدار الشهادات أو التأهيل للمتعلمين وضمان جودة وتقييم برامجهم. بالنسبة للمدارس بشكل خاص، تُعتبر عملية تقديم الملاحظات وإدارة الأداء أيضاً أداة رئيسية لنمو وتطوير المعلمين، خصوصاً عندما تكون مخصصة. ما لم يكن هناك جهد متسق ومركز عبر كافة المستويات الثلاثة، فإننا نعتقد أن المنظومة تضعف وتصبح رحلة المعلم في خطر.
من خلال توضيح دور الجهات المعنية في إطار العمل لتطوير قدرات المعلمين، تُصبح أدوارهم ومسؤولياتهم أكثر وضوحاً. يُمكن للدول استخدام هذا الإطار لتحديد الأنشطة التي تقع تحت مسؤولية كل طرف ذو علاقة، ومن ثم تحديد الفجوات، والتداخلات المحتملة، وقضايا الاستقلال.
لتطوير الاستثمارات في تطوير قدرات المعلمين الحاليين والمستقبليين، يمكن لإطار العمل تطوير قدرات المعلمين والرؤى المستخلصة من هذا التقرير أن توجه الحكومات والمؤسسات التدريبية والمدارس إلى:
تلعب كل جهة معنية دور على مختلف المستويات في منظومة التطوير المهني للمعلم. يُمكن تحليل وفهم هذه الأدوار باستخدام إطار العمل لتناول الأسئلة التالية:
الاستثمار في تدريب المعلمين وتطوير القيادة لا يُمثل فقط استثماراً في المعلمين، بل في مستقبل التعليم والمجتمع ككل. من خلال تزويد المعلمين وقادة المدارس بالدعم والموارد اللازمة للتفوق، يمكن للحكومات والمدارس تعزيز بيئات حيث يَحصل كل طالب على فرصة لتحقيق النجاح.
في شركة ي دبليو سي، نَشعر من خلال ممارستنا لاستشارات التعليم والمهارات في الشرق الأوسط بشغف تجاه تحقيق منطقتنا لأهدافها نحو بناء أنظمة تعليم قوية وتمكين المعلمين وطلاب ناجحين. نَعلم أن قوة الأمة تبدأ بقوة شعبها وأول من يرعاهم هم المعلمون. أملنا أن يُساعد هذا الإطار في أن تتخذ جميع الجهات المعنية في منظومة تطوير قدرات المعلمين خطوة واحدة على الأقل نحو فهم وتعزيز هذا الأساس.