المملكة العربية السعودية ترسي التوازن بين الطموح والحصافة المالية

الحصافة المالية والتعديل

تملك المملكة العربية السعودية أكثر من 5000 مشروع بقيمة 5 تريليون دولار أمريكي قيد التنفيذ حالياً، وقد أحرزت تقدماً ملموساً في تحويل المشهدين الاقتصادي والاجتماعي كجزء من أهداف رؤية 2030 الطموحة.⁶

أقرّ صندوق النقد الدولي في مراجعته السنوية للاقتصاد السعودي في العام 2024 بالنجاح الذي حققته المملكة على صعيد التحوّل الاقتصادي، وسلّط الضوء على التحسينات في بيئة الأعمال، واستحداث فرص عمل، وتحقيق نمو واعد في القطاعات غير النفطية بنسبة 3.8%.⁷ مع ذلك، شددت المراجعة السنوية على الحاجة إلى اعتماد الحصافة المالية، للحفاظ على الاستقرار المالي ومواصلة مسيرة الإصلاحات الهيكلية لدعم النمو الشمولي والمستدام في المملكة.

أقرّت المملكة الميزانية العامة لسنة 2025 حيث توقعت عجزاً⁸ قدره 27 مليار دولار أمريكي، وعليه تجد الحكومة نفسها أمام تحدّ يتمثّل في إرساء التوازن بين أهداف الاستثمار الطموحة واعتماد الحصافة في إدارة الإنفاق. ويشير ذلك إعادة ترتيب النفقات بحسب الأولوية والتوجّه نحو الإنفاق القائم على تحقيق القيمة لتعظيم التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية للإنفاق العام. ويشمل ذلك المبادرات لتعزيز القطاع الخاص، وتطوير العروض السياحية والبنية التحتية للنقل، وتحسين معدلات التوظيف المحلي، في ظل مواصلة الإنفاق على مشاريع الطاقة المتجددة والمشاريع الكبرى. هذا وتتضمّن الأهداف الرئيسية المحددة في الميزانية العامة للمملكة تحقيق وفورات مالية تصل إلى 8 مليارات ريال سعودي، وزيادة استخدام التقنيات الناشئة في الجهات الحكومية إلى 50%، ودعم الاستثمارات الأجنبية لتصل إلى 139 مليار ريال سعودي مقارنة بـ96 مليار ريال سعودي في العام 2023. ^9,10 وأشار صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد في إعلانه عن الميزانية العامة إلى الدور الهام الذي تضطلع به صناديق الثروة السيادية وصناديق التنمية حيث إنها تمثّل القنوات الرئيسية لهذه الاستثمارات العامة.

الاستثمارات في البنية التحتية وجودة الحياة، مع التركيز على الرياض

تحرز المملكة تقدّماً على صعيد المشاريع الرئيسية المرتبطة بجودة الحياة وتطوير بنية تحتية من الطراز العالمي، ما سيمكّنها من استضافة فعاليات عالمية ضخمة.

سبق أن تم تنفيذ استثمارات كبيرة في مشاريع البنية التحتية الحضرية، التي تساهم في إعادة تحديد معالم المدن السعودية وتحويلها إلى بيئات أكثر استدامة وملاءمة للعيش، ولتحسين جودة حياة المقيمين فيها. واعتباراً من العام 2024، استثمرت المملكة 4.9 تريليون ريال سعودي (1.3 تريليون دولار أمريكي) في قطاع البنية التحتية، ما أدى إلى توسيع نطاق مشاريع التطوير في مجالات السكن، والتجارة، والضيافة بشكل كبير.¹¹

ويتجلّى هذا الزخم تحديداً في العاصمة الرياض، حيث تقرّ الحكومة بالحاجة الملحّة إلى الاستثمار في النقل والبنية التحتية الحضرية. هذا وتهدف الهيئة الملكية لمدينة الرياض أن يصل عدد السكان إلى 10 ملايين نسمة بحلول العام 2030 لدعم الطموحات المرتبطة بنمو المدينة، أي حوالى ثلث الكثافة السكانية الوطنية الحالية، ومن ثم الوصول إلى 15 مليون نسمة.¹² ويستطيع مترو الرياض، الذي تم تدشينه في ديسمبر 2024، نقل ما يصل إلى 3.6 ملايين راكب يومياً. وقد تم تصميمه للحد من الازدحام وتحسين الترابط، وهو يقدّم خدمات تضاهي جودة الخدمات التي تقدّمها نظم المترو المماثلة في مدن أخرى ذات طراز عالمي.¹³ وتم دمج محطات المترو البالغ عددها 85 بشكل سلس في نظام النقل السريع بالحافلات، الذي تم استكمال المرحلة الثالثة منه العام الماضي. إلى تتمتع شبكة الحافلات بطاقة استيعابية تصل إلى 500,000 راكب يومياً، وتشمل 2860 محطة موزعة عبر المدينة.¹⁴

وستساهم شبكة المترو في تسريع وتيرة التقدّم في المشاريع الكبرى الأخرى في الرياض، مثل مركز الملك عبد الله المالي (كافد) الذي يشكّل موطناً للعديد من المقار الإقليمية للشركات ووجهة رائجة تضمّ مجموعة واسعة من المطاعم والمتاجر. كما بدأ تنفيذ مشروع المربع الجديد، على مقربة من مركز الملك عبدالله المالي في شمال غرب الرياض، وهو مشروع ضخم طموح يهدف إلى إعادة تحديد الحياة العصرية.¹⁵ ويقع برج المكعب في قلب مشروع المربع الجديد، كما سيوفر المشروع وحدات سكنية لـ400 ألف شخص.

باتت المشاريع الأخرى التي يتم تنفيذها في مدينة الرياض وفي محيطها في مراحل متقدّمة. وتعيد بوابة الدرعية إحياء العاصمة الأصلية للدولة باعتبارها وجهة تراثية وسياحية مهمة. وستوفر حديقة الملك سلمان مساحات خضراء ضرورية جداً في قلب المدينة، تتجاوز مساحتها مساحة حديقة سنترال بارك في نيويورك بخمس مرات، في حين ينطوي مشروع الرياض الخضراء على زراعة ملايين الأشجار في جميع أنحاء المدينة. أما من جهة الغرب، فستوفر مدينة القدية الترفيهية فرصاً ترفيهية للأسرة وستشكّل عنصر جذب رئيسي للزائرين، في حين سيدمج مشروع المسار الرياضي، الذي تم إطلاقه في العام 2019، الميزات الرياضية والثقافية والبيئية لتعزيز أنماط حياة صحية للسكان.

كما تعمل المملكة العربية السعودية بصورة فاعلة على بناء البنية التحتية اللازمة لاستضافة فعاليات ضخمة ترتقي بها إلى المحافل الدولية. ولا شكّ في أن استضافة كأس العالم لكرة القدم 2034 سيشكّل مرحلة هامة في تاريخ المملكة وسيمنح السعوديين شعوراً عامراً بالفخر، حيث إن هذه البطولة ليست مجرد فعالية رياضية، بل ستظهر أيضاً جاهزية المملكة لاستقبال العالم والتأكيد على انفتاحها على الأعمال.

يُشار إلى أنه بدأ العمل بالفعل في المواقع التالية: سيستضيف كل من المربع الجديد والقدية اثنين من الملاعب الثمانية في الرياض، في حين تشمل المدن المضيفة الأخرى جدة، ومدينة الملك عبد الله الاقتصادية، ونيوم. وسوف يتطلب تنظيم البطولة إلى جانب فعاليات ضخمة أخرى مثل كأس آسيا 2027، ودورة الألعاب الآسيوية الشتوية في تروجينا 2029، وإكسبو الرياض 2030، جهوداً مكثفة على صعيد التخطيط، والاستثمار، وإدارة الموارد. وسيكون من المهم منح الأولوية لأصول البنية التحتية، بالإضافة إلى تبنّي التقنيات المتقدّمة لتعزيز تجارب الجمهور، من أجل ضمان نجاح هذه الفعاليات في السنوات المقبلة.

المصادر

_{6) صحيفة Arab News، مقالة بعنوان "Saudi Arabia leverages project management to achieve Vision 2030 milestones"

7) صحيفة Arab News، مقالة بعنوان "IMF highlights Saudi Arabia’s economic gains and Vision 2030 progress in latest review"

8) صحيفة Arab News: مقالة بعنوان "Saudi Arabia approves FY2025 budget, forecasts $27bn deficit amid expansionary spending"

9) وزارة المالية بالمملكة العربية السعودية، بيان الميزانية للسنة المالية 2025

10) وكالة الأنباء السعودية: مقالة بعنوان "الاستثمار الأجنبي المباشر يتجاوز مستهدف الاستراتيجية الوطنية للاستثمار بنمو 16% في عام 2023"

11) صحيفة Arab News: مقالة بعنوان "Giga-projects fueling real estate boom in Saudi Arabia"

12) موقع Bloomberg، 26 إبريل 2024، مقالة بعنوان "Saudi Capital to Cut Population Goal as City Reviews Strategy"

13) صحيفة Arab News: مقالة بعنوان "Riyadh launches Middle East’s largest urban rail network"

14) الهيئة الملكية لمدينة الرياض، مشروع الملك عبد العزيز للنقل العام بمدينة الرياض

15) New Murabba, 15 October 2024, New Murabba Reaches New Heights: Over 10 million Cubic Meters Excavated}